فصل: ما يحتجّ عليه بالإجماع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إجماع

التّعريف

1 - الإجماع في اللّغة يراد به تارةً العزم، يقال‏:‏ أجمع فلان كذا، أو أجمع على كذا، إذا عزم عليه وتارةً يراد به الاتّفاق، فيقال‏:‏ أجمع القوم على كذا، أي اتّفقوا عليه، وعن الغزاليّ أنّه مشترك لفظيّ‏.‏ وقيل إنّ المعنى الأصليّ له العزم، والاتّفاق لازم ضروريّ إذا وقع من جماعة، والإجماع في اصطلاح الأصوليّين‏:‏ اتّفاق جميع المجتهدين من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم في عصر ما بعد عصره صلى الله عليه وسلم على أمر شرعيّ، والمراد بالأمر الشّرعيّ‏:‏ ما لا يدرك لولا خطاب الشّارع، سواء أكان قولاً أم فعلاً أم اعتقاداً أم تقريراً‏.‏

بيان من ينعقد بهم الإجماع

2 - جمهور أهل السّنّة على أنّ الإجماع ينعقد باتّفاق المجتهدين من الأمّة، ولا عبرة باتّفاق غيرهم مهما كان مقدار ثقافتهم، ولا بدّ من اتّفاق المجتهدين ولو كانوا أصحاب بدعة إن لم يكفروا ببدعتهم، فإن كفروا بها كالرّافضة الغالين فلا يعتدّ بهم، وأمّا البدعة غير المكفّرة أو الفسق فإنّ الاعتداد بخلافهم أو عدم الاعتداد فيه خلاف وتفصيل بين الفقهاء والأصوليّين موضعه الملحق الأصوليّ‏.‏ وذهب قوم إلى أنّ العبرة باتّفاق الخلفاء الرّاشدين فقط، لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي، عضّوا عليها بالنّواجذ»‏.‏ وهذا خبر آحاد لا يفيد اليقين، وعلى فرض التّسليم فإنّه يفيد رجحان الاقتداء بهم لا إيجابه، وقال قوم إنّ الإجماع هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم، وهذا ظاهر مذهب مالك فيما كان سبيله النّقل والتّواتر، كبعض أفعاله صلى الله عليه وسلم كالأذان والإقامة وتحديد الأوقات وتقدير الصّاع والمدّ وغير ذلك ممّا يعتمد على النّقل وحده لا على الاجتهاد، وما سبيله الاجتهاد فلا يعتدّ عنده بإجماعهم‏.‏

إمكان الإجماع

3 - اتّفق الأصوليّون على أنّ الإجماع ممكن عقلاً، وذهب جمهورهم إلى أنّه ممكن عادةً، وخالف في ذلك النّظّام وغيره‏.‏ وخالف البعض في إمكان نقله‏.‏

حجّيّة الإجماع

4 - الإجماع حجّة قطعيّة على الصّحيح، وإنّما يكون قطعيّاً حيث اتّفق المعتبرون على أنّه إجماع، لا حيث اختلفوا، كما في الإجماع السّكوتيّ وما ندر مخالفه‏.‏

ما يحتجّ عليه بالإجماع

5 - يحتجّ بالإجماع على الأمور الدّينيّة الّتي لا تتوقّف حجّيّة الإجماع عليها، سواء أكانت اعتقاديّةً كنفي الشّريك عن اللّه تعالى، أو عمليّةً كالعبادات والمعاملات، وقيل لا أثر للإجماع في العقليّات، فإنّ المعتبر فيها الأدلّة القاطعة، فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضّدها وفاق‏.‏ أمّا ما تتوقّف عليه حجّيّة الإجماع، كوجود الباري تعالى، ورسالة محمّد صلى الله عليه وسلم فلا يحتجّ عليه بالإجماع؛ لئلاّ يلزم الدّور‏.‏

مستند الإجماع

6 - لا بدّ للإجماع من مستند، نصّ أو قياس، وقد يكون النّصّ أو القياس خفيّاً‏.‏ فإذا أجمع على مقتضاه سقط البحث عنه، وحرمت مخالفته مع عدم العلم به، ويقطع بحكمه وإن كان ظنّيّاً‏.‏

إنكار الإجماع

7 - قيل‏:‏ يكفر منكر حكم الإجماع القطعيّ، وفصّل بعض الأصوليّين بين ما كان من ضروريّات دين الإسلام، وهو ما يعرفه الخواصّ والعوامّ، من غير قبول للتّشكيك، كوجوب الصّلاة والصّوم، وحرمة الزّنا والخمر، فيكفر منكره، وبين ما سوى ذلك، فلا يكفر منكره، كالإجماع على بعض دقائق علم المواريث الّتي قد تخفى على العوّام‏.‏ وفرّق فخر الإسلام بين الإجماع القطعيّ من إجماع الصّحابة نصّاً، كإجماعهم على قتال مانعي الزّكاة، أو مع سكوت بعضهم، فيكفر منكره، وبين إجماع غيرهم فيضلّل‏.‏

الإجماع السّكوتيّ

8 - يتحقّق الإجماع السّكوتيّ إذا أفتى بعض المجتهدين في مسألة اجتهاديّة، أو قضى، واشتهر ذلك بين أهل عصره، وعرفه جميع من سواه من المجتهدين، ولم يخالفوه، واستمرّت الحال على هذا إلى مضيّ مدّة التّأمّل، وقد ذهب أكثر الحنفيّة وبعض الشّافعيّة إلى أنّه إذا تحقّق ذلك فهو إجماع قطعيّ، وإنّما يكون إجماعاً عندهم حيث لا يحمل سكوتهم على التّقيّة خوفاً‏.‏ وموضع اعتبار سكوتهم إجماعاً إنّما هو قبل استقرار المذاهب، وأمّا بعد استقرارها فلا يعتبر السّكوت إجماعاً؛ لأنّه لا وجه للإنكار على صاحب مذهب في العمل على موجب مذهبه، وذهب أبو هاشم الجبّائيّ إلى أنّه حجّة وليس إجماعاً‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه ليس بحجّة فضلاً أن يكون إجماعاً، وبه قال ابن أبان والباقلاّنيّ وبعض المعتزلة وأكثر المالكيّة وأبو زيد الدّبوسيّ من الحنفيّة، والرّافعيّ والنّوويّ من الشّافعيّة‏.‏

التّعارض بين الإجماع وغيره

9 - الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به عند الجمهور؛ لأنّ الإجماع لا يكون إلاّ بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم والنّسخ لا يكون بعد موته‏.‏ ولا ينسخ الإجماع الإجماع، وإذا جاء الإجماع مخالفاً لشيء من النّصوص استدللنا على أنّ ذلك النّصّ منسوخ‏.‏ فيكون الإجماع دليل النّسخ وليس هو النّاسخ‏.‏

رتبة الإجماع بين الأدلّة

1 - بنى بعض الأصوليّين على المسألة السّابقة تقديم الإجماع على غيره‏.‏ قال الغزاليّ‏:‏ «يجب على المجتهد في كلّ مسألة أن يردّ نظره إلى النّفي الأصليّ قبل ورود الشّرع‏.‏ ثمّ يبحث عن الأدلّة السّمعيّة، فينظر أوّل شيء في الإجماع، فإن وجد في المسألة إجماعاً، ترك النّظر في الكتاب والسّنّة، فإنّهما يقبلان النّسخ، والإجماع لا يقبله‏.‏ فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسّنّة دليل قاطع على النّسخ، إذ لا تجتمع الأمّة على الخطأ»‏.‏ وقد حرّر ذلك ابن تيميّة فقال ‏"‏ كلّ من عارض نصّاً بإجماع، وادّعى نسخه، من غير نصّ يعارض ذلك النّصّ، فإنّه مخطئ في ذلك، فإنّ النّصوص لم ينسخ منها شيء إلاّ بنصّ باق محفوظ لدى الأمّة»‏.‏ وفي موضع آخر قال ‏"‏ لا ريب أنّه إذا ثبت الإجماع كان دليلاً على أنّه منسوخ، فإنّ الأمّة لا تجتمع على ضلالة، ولكن لا يعرف إجماع على ترك نصّ إلاّ وقد عرف النّصّ النّاسخ له، ولهذا كان أكثر من يدّعي نسخ النّصوص بما يدّعيه من الإجماع إذا حقّق الأمر عليه، لم يكن الإجماع الّذي ادّعاه صحيحاً، بل غايته أنّه لم يعرف فيه نزاعاً»‏.‏ وفي الإجماع تفصيل وخلاف أوسع ممّا ذكر، موطنه الملحق الأصوليّ‏.‏

إجمال

التّعريف

1 - الإجمال مصدر أجمل، ومن معانيه في اللّغة‏:‏ جمع الشّيء من غير تفصيل‏.‏ وللأصوليّين في الإجمال اصطلاحان، تبعاً لاختلافهم في تعريف المجمل‏:‏ الأوّل‏:‏ اصطلاح الأصوليّين غير الحنفيّة ‏(‏المتكلّمين‏)‏، وهو أنّ المجمل ما لم تتّضح دلالته‏.‏ فيكون عامّاً في كلّ ما لم تتّضح دلالته‏.‏ وما لحقه البيان خرج من الإجمال بالاتّفاق ‏(‏ر‏:‏ بيان‏)‏، وكما يكون الإجمال عندهم في الأقوال، يكون في الأفعال‏.‏ وقد مثّل له بعض الأصوليّين بما ورد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلّم في صلاة رباعيّة من اثنتين»، فدار فعله بين أن يكون سلّم سهواً، وبين أن تكون الصّلاة قد قصرت‏.‏ فاستفسر منه ذو اليدين، فبيّن لهم أنّه سها‏.‏ الثّاني‏:‏ اصطلاح الأصوليّين من الحنفيّة، وهو أنّ المجمل ما لا يعرف المراد منه إلاّ ببيان يرجى من جهة المجمل، ومعنى ذلك أنّ خفاءه لا يعرف بمجرّد التّأمّل، ومثّلوا له بالأمر بالصّلاة والزّكاة ونحوهما، قبل بيان مراد الشّارع منها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المشكل‏:‏

2 - إن كان المعنى ممّا يدرك بالتّأمّل فليس عند الحنفيّة مجملاً، بل يسمّى ‏"‏ مشكلاً ‏"‏، ومثّلوا له بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأتوا حرثكم أنّى شئتم‏}‏، فإنّ «أنّى» دائرة بين معنى «أين» ومعنى «كيف»، وبالتّأمّل يظهر أنّ المراد الثّاني، بقرينة الحارث، وتحريم الأذى‏.‏

ب - المتشابه‏:‏

3 - وأمّا إن كان لا يرجى معرفة معناه في الدّنيا فهو عندهم ‏"‏ متشابه ‏"‏، وهو ما استأثر اللّه تعالى بعلمه، كالحروف المقطّعة في أوائل السّور‏.‏

ج - الخفيّ‏:‏

4 - وهو ما كان خفاؤه في انطباقه على بعض أفراده لعارض هو تسمية ذلك الفرد باسم آخر، كلفظ «السّارق ‏"‏، فهو ظاهر في مفهومه الشّرعيّ، ولكنّه خفيّ في الطّرّار والنّبّاش‏.‏ حكم المجمل‏:‏

5 - ذهب أصوليّو الحنفيّة إلى أنّ حكم المجمل التّوقّف فيه إلى أن يتبيّن المراد به، بالاستفسار من صدر منه المجمل‏.‏ وذهب غيرهم إلى أنّ حكم المجمل التّوقّف فيه إلى أن يتبيّن من جهة المجمل، أو بالقرائن، أو بالعرف، أو بالاجتهاد‏.‏ وفي ذلك تفصيل موطنه الملحق الأصوليّ‏.‏

أجنبيّ

التّعريف

1 - الأجنبيّ في اللّغة الغريب، ويقال للغريب أيضاً جنب، وأجنب، ومن معاني الجنابة‏:‏ الغربة‏.‏ واجتنب فلان فلاناً إذا تجنّبه وابتعد عنه، ونقل في التّاج عن الأساس‏:‏ «ومن المجاز‏:‏ هو أجنبيّ عن كذا، أي لا تعلّق له به ولا معرفة ‏"‏ يعني كما تقول‏:‏ فلان أجنبيّ عن هذا العلم، أو عن هذه القضيّة‏.‏ فيطلق الأجنبيّ على من هو غريب حسّاً أو معنًى‏.‏

2 - ولم نجد أحداً من الفقهاء عرّف هذا المصطلح، ولكن باستقراء‏.‏ مواضع وروده في كلامهم تبيّن أنّه لفظ ليس له معنًى واحد، بل يفسّر في كلّ مقام بحسبه‏.‏ فمن معانيه ما يلي‏:‏ أ - الأجنبيّ البعيد عنك في القرابة، وهو الّذي لا تصله بك رابطة النّسب، كقول المحلّيّ في شرح منهاج الطّالبين‏:‏ «الأجنبيّ أن يحجّ عن الميّت حجّة الإسلام بغير إذن»‏.‏ قال عميرة في حاشيته‏:‏ «المراد بالأجنبيّ غير الوارث‏.‏ قاله شيخنا‏.‏ وقياس الصّوم أن يراد به غير القريب»‏.‏

ب - والأجنبيّ الغريب عن الأمر من عقد أو غيره، كقولهم‏:‏ «لو أتلف المبيع أجنبيّ قبل قبضه فسد العقد ‏"‏ أي شخص غريب عن العقد، ليس هو البائع ولا المشتري‏.‏ وكقولهم‏:‏ «هل يصحّ شرط الخيار لأجنبيّ ‏"‏ ويسمّى الأجنبيّ إذا تصرّف فيما ليس له‏:‏ «فضوليّاً ‏"‏ ج - والأجنبيّ‏:‏ الغريب عن الوطن، ودار الإسلام كلّها وطن للمسلم‏.‏ فالأجنبيّ عنها من ليس بمسلم ولا ذمّيّ‏.‏

د - والأجنبيّ عن المرأة من لم يكن محرماً لها‏.‏ والمحرم من يحرم عليه نكاحها على التّأبيد بنسب أو بسبب مباح وقيل بمطلق سبب، ولو كان قريباً كابن عمّها وابن خالها‏.‏

انقلاب الأجنبيّ إلى ذي علاقة، وعكسه

3 - ينقلب الأجنبيّ إلى ذي علاقة في أحوال، منها‏:‏

أ - بالعقد، كعقد النّكاح، فإنّه تنقلب به المرأة الأجنبيّة إلى زوجة، وكعقد الشّركة، وعقد الوكالة ونحوهما‏.‏ وتفصيل ذلك في أبوابه من الفقه‏.‏

ب - بالإذن والتّفويض ونحوهما، كتفويض الطّلاق إلى المرأة أو إلى غيرها، وكالتّوكيل والإيصاء‏.‏

ج - بالاضطرار، كأخذ من اشتدّ جوعه ما في يد غيره من الطّعام فائضاً عن ضرورته بغير رضاه‏.‏

د - حكم القضاء، كنصب الأجنبيّ وصيّاً أو ناظراً على الوقف‏.‏

4 - وينقلب ذو العلاقة إلى أجنبيّ في أحوال‏:‏

منها‏:‏ أ - ارتفاع السّبب الّذي به صار الأجنبيّ ذا علاقة، كطلاق المرأة، وفسخ عقد البيع، ونحو ذلك‏.‏

ب - قيام المانع الّذي يحول دون كون السّبب مؤثّراً، وذلك كردّة أحد الزّوجين، يصبح به كلّ منهما أجنبيّاً عن الآخر، فلا عشرة ولا ميراث‏.‏

ج - حكم القضاء، كالحجر على السّفيه، والتّفريق بين المولي وزوجته عند تمام المدّة عند الجمهور، والتّفريق للضّرر، والحكم باستحقاق العين لغير ذي اليد‏.‏

اجتماع ذي العلاقة والأجنبيّ

5 - إذا اجتمع ذو علاقة وأجنبيّ، فذو العلاقة هو الأولى، كما يلي‏.‏

الحكم الإجماليّ

يختلف الحكم الإجماليّ للأجنبيّ بحسب معانيه المختلفة‏:‏

أوّلاً‏:‏ الأجنبيّ الّذي هو خلاف القريب‏:‏

6 - للقريب حقوق وميزات ينفرد بها عن الأجنبيّ، ومن ذلك أنّه أولى من الأجنبيّ برعاية الشّخص المحتاج إلى الرّعاية والنّظر كما في الأمثلة التّالية‏:‏

أ - أنّ القريب له حقّ الولاية على نفس الصّغير والمجنون وتزويج المرأة دون الأجنبيّ‏.‏

ب - وأنّ له حقّ الحضانة للصّغير والمجنون دون الأجنبيّ، ويقدّم أولى الأقارب في استحقاق الحضانة حسب ترتيب معيّن‏.‏ وإذا تزوّجت الحاضنة من أجنبيّ من المحضون سقط حقّها في الحضانة، «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للأمّ‏:‏ أنت أحقّ به ما لم تنكحي»‏.‏ وتفصيل ذلك في أبواب الحضانة من كتب الفقه‏.‏

ج - وأنّ القريب أولى من الأجنبيّ بتغسيل الميّت، وبالإمامة في الصّلاة عليه، على تفصيل يعرف في أبواب الجنائز‏.‏

ثانياً الأجنبيّ في التّصرّفات والعقود

7 - المراد بالأجنبيّ هنا من ليست له صلاحية التّصرّف، والّذي له صلاحية التّصرّف هو صاحب الحقّ والوصيّ والوكيل ونحوهم، فمن سواهم أجنبيّ‏.‏ فإن تصرّف الإنسان في حقّ هو فيه أجنبيّ، على أنّ تصرّفه لنفسه، فتصرّفه باطل‏.‏ أمّا إن تصرّف عن غيره من غير أن تكون له ولاية أو نيابة فهو الّذي يسمّى عند الفقهاء الفضوليّ واختلفوا في تصرّفه ذاك، فمنهم من أبطله، ومنهم من جعله موقوفاً على الإجازة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجازة‏.‏ فضوليّ‏)‏‏.‏

ب - الأجنبيّ والعبادة‏:‏

8 - لا يختلف حكم الأجنبيّ عن حكم الوليّ في شأن أداء العبادات البدنيّة عن الغير، فلا تصحّ الصّلاة والصّيام عن الحيّ، إذ لا بدّ في ذلك من النّيّة، ولا يجب على الوليّ أو غيره القضاء عن الميّت لما في ذمّته من العبادات‏.‏، إن تبرّع به الوليّ أو الأجنبيّ ففي إجزائه عن الميّت خلاف‏.‏ أمّا العبادات الماليّة المحضة كالزّكاة وبعض الكفّارات وفدية الصّوم، أو الماليّة البدنيّة كالحجّ، فلا يصحّ كذلك فعلها عن الغير بغير إذنه، إن كان حيّاً قادراً‏.‏ وأمّا فعلها عن الميّت فيجب على الوليّ أو الوصيّ إذا أوصى من هو عليه قبل وفاته بذلك، في حدود ثلث التّركة، على مذهب الحنفيّة‏.‏ وعند غيرهم تنفذ من كلّ المال، سواء أوصى بها أم لم يوص، كسائر الدّيون‏.‏ وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الزّكاة والحجّ والصّوم والكفّارات‏.‏

ج - تبرّع الأجنبيّ بأداء الحقوق‏:‏

9 - تبرّع الأجنبيّ بأداء ما ترتّب على الغير من الحقوق جائز، وذلك كوفاء دينه، ودفع مهر زوجته ونفقتها ونفقة أولاده‏.‏ وله حقّ الرّجوع إن كان فعل ذلك بإذن حاكم، أو نوى الرّجوع به، وفي ذلك تفصيل وخلاف يرجع لمعرفته إلى الأبواب الخاصّة بتلك الحقوق من كتب الفقه‏.‏

ثالثاً الأجنبيّ بمعنى من لم يكن من أهل الوطن

10 - الأجنبيّ عن دار الإسلام هو الحربيّ، وهو من لم يكن مسلماً ولا ذمّيّاً، ولا يحقّ لمن لم يكن كذلك دخول دار الإسلام إلاّ بأمان، فإذا دخل دار الإسلام بالأمان سمّي مستأمناً‏.‏ ولمعرفة أحكام الأجنبيّ بهذا المعنى ‏(‏ر‏:‏ أمان‏.‏ مستأمنون‏.‏ أهل الحرب‏)‏‏.‏

رابعاً الأجنبيّ عن المرأة

11 - خصّصت الشّريعة الأجانب بأحكام خاصّة، دون الزّوج وذوي المحرم‏.‏ وذلك رعايةً لسلامة المرأة، ومحافظةً عليها من أن يصل إليها ما يجرح كرامتها‏.‏ وقد يسّرت الشّريعة في العلاقة بين المرأة وزوجها، إذ أنّ عقد الزّواج يبيح لكلّ من الزّوجين من التّمتّع بالآخر ما يكون سبباً للسّكن بينهما، لتتمّ حكمة اللّه بدوام النّسل ونشوئه في كنف الأبوين على أحسن وجه، ولم تضيّق الشّريعة أيضاً في العلاقة بين المرأة ومحرمها لأنّ ما يقوم بأنفسهما من المودّة والاحترام يحجب نوازع الرّغبة، ولكي تتمكّن المرأة وأقاربها الأقربون من العيش معاً بيسر وسهولة، والزّوج والمحرم في ذلك مخالفان للأجنبيّ، فوضعت الشّريعة حدوداً للعلاقة بين المرأة وبينه، تتلخّص فيما يلي‏:‏

أ - النّظر‏:‏

12 - فيحرم على الأجنبيّ النّظر إلى زينة المرأة وبدنها، كلّه على رأي بعض الفقهاء، أو ما عدا الوجه والكفّين والقدمين عند البعض الآخر‏.‏ وكذلك يجب على المرأة أن تستتر عن الأجنبيّ بتغطية ما لا يحلّ له رؤيته، وعليها أن تمتنع عن النّظر من بدن الأجنبيّ - والمحرم مثله - إلاّ إلى ما سوى العورة، أو إلى ما عدا ما تنظره المرأة من المرأة‏.‏

ب - اللّمس‏:‏

13 - فلا يلمس الأجنبيّ بدن المرأة‏.‏

ج - الخلوة‏:‏

14 - فلا يحلّ للرّجل والمرأة إذا كانا أجنبيّين أن يخلو أحدهما بالآخر، لما ورد في حديث البخاريّ مرفوعاً «إيّاكم والدّخول على النّساء» وحديثه الآخر «لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم» د - صوت المرأة‏:‏

15 - فيحرم استماع الأجنبيّ لصوت المرأة على القول المرجوح عند الحنفيّة لأنّه عورة‏.‏ وفي كثير ممّا ذكرناه خلاف بين الفقهاء وتفصيل واستثناءات يرجع لمعرفتها إلى باب الحظر والإباحة من كتب الحنفيّة، وإلى أوائل أبواب النّكاح وباب ستر العورة من شروط الصّلاة في كتب سائر المذاهب‏.‏

أجنبيّة

انظر‏:‏ أجنبيّ‏.‏

إجهاز

التّعريف

1 - من معاني الإجهاز في اللّغة‏:‏ الإسراع، فالإجهاز على الجريح‏:‏ إتمام قتله‏.‏ ويستعمل الفقهاء ‏"‏ الإجهاز ‏"‏ بهذا المعنى‏.‏ كما يستعملون لهذا المعنى أيضاً كلمة ‏"‏ تذفيف»‏.‏ الحكم العامّ‏:‏

2 - الإجهاز على الإنسان الجريح‏:‏ الإجهاز على جرحى الكفّار المقاتلين جائز، وكذلك جرحى البغاة المقاتلين إذا كانت لهم فئة، فإن لم تكن لهم فئة فلا يجوز قتل جريحهم‏.‏ أمّا الإجهاز على من وجب عليه الموت في حدّ أو قصاص فهو واجب بالاتّفاق‏.‏

3 - الإجهاز على الحيوان‏:‏ الحيوان على نوعين‏:‏ نوع يجوز ذبحه، بأن كان مأكول اللّحم، أو قتله، بأن كان مؤذياً‏.‏ وهذا النّوع يجوز الإجهاز عليه إن أصابه مرض أو جرح؛ لأنّه يجوز ذبحه أو قتله ابتداءً، ونوع لا يجوز قتله كالحمار ونحوه، وفي جواز الإجهاز عليه إن أصابه مرض أو جرح - إراحةً له - خلاف، أجاز ذلك الحنفيّة والمالكيّة، ومنعه الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الذّبائح، وذكره الحنفيّة في كتاب الحظر والإباحة‏.‏

إجهاض

التّعريف

1 - يطلق الإجهاض في اللّغة على صورتين‏:‏ إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدّة، سواء من المرأة أو غيرها، والإطلاق اللّغويّ يصدق سواء كان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيّاً‏.‏

2 - ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة إجهاض عن هذا المعنى‏.‏ وكثيراً ما يعبّرون عن الإجهاض بمرادفاته كالإسقاط والإلقاء والطّرح والإملاص‏.‏

صفة الإجهاض حكمه التّكليفيّ

3 - من الفقهاء من فرّق بين حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح، وبين حكمه قبل ذلك وبعد التّكوّن في الرّحم والاستقرار، ولمّا كان حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح موضع اتّفاق كان الأنسب البدء به ثمّ التّعقيب بحكمه قبل نفخ الرّوح، مع بيان آراء الفقهاء واتّجاهاتهم فيه‏:‏

أ - حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح‏:‏

4 - نفخ الرّوح يكون بعد مائة وعشرين يوماً، كما ثبت في الحديث الصّحيح الّذي رواه ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ «إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفةً، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح»‏.‏ ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح‏.‏ فقد نصّوا على أنّه إذا نفخت في الجنين الرّوح حرّم الإجهاض إجماعاً‏.‏ وقالوا إنّه قتل له، بلا خلاف‏.‏ والّذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح أنّه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأمّ وما لو لم يكن كذلك‏.‏ وصرّح ابن عابدين بذلك فقال‏:‏ لو كان الجنين حيّاً، ويخشى على حياة الأمّ من بقائه، فإنّه لا يجوز تقطيعه؛ لأنّ موت الأمّ به موهوم، فلا يجوز قتل آدميّ لأمر موهوم‏.‏

ب - حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح‏:‏

5 - في حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح اتّجاهات مختلفة وأقوال متعدّدة، حتّى في المذهب الواحد، فمنهم من قال بالإباحة مطلقاً، وهو ما ذكره بعض الحنفيّة، فقد ذكروا أنّه يباح الإسقاط بعد الحمل، ما لم يتخلّق شيء منه‏.‏ والمراد بالتّخلّق في عبارتهم تلك نفخ الرّوح‏.‏ وهو ما انفرد به من المالكيّة اللّخميّ فيما قبل الأربعين يوماً، وقال به أبو إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة قبل الأربعين أيضاً، وقال الرّمليّ‏:‏ لو كانت النّطفة من زناً فقد يتخيّل الجواز قبل نفخ الرّوح‏.‏ والإباحة قول عند الحنابلة في أوّل مراحل الحمل، إذ أجازوا للمرأة شرب الدّواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة، وعن ابن عقيل أنّ ما لم تحلّه الرّوح لا يبعث، فيؤخذ منه أنّه لا يحرم إسقاطه، وقال صاحب الفروع‏:‏ ولكلام ابن عقيل وجه‏.‏

6 - ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط، وهو حقيقة مذهب الحنفيّة‏.‏ فقد نقل ابن عابدين عن كراهة الخانيّة عدم الحلّ لغير عذر، إذ المحرم لو كسر بيض الصّيد ضمن لأنّه أصل الصّيد‏.‏ فلمّا كان يؤاخذ بالجزاء فلا أقلّ من أن يلحقها - من أجهضت نفسها - إثم هنا إذا أسقطت بغير عذر، ونقل عن ابن وهبان أنّ من الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبي الصّبيّ ما يستأجر به الظّئر ‏(‏المرضع‏)‏ ويخاف هلاكه، وقال ابن وهبان‏:‏ إنّ إباحة الإسقاط محمولة على حالة الضّرورة‏.‏ ومن قال من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بالإباحة دون تقييد بالعذر فإنّه يبيحه هنا بالأولى، وقد نقل الخطيب الشّربينيّ عن الزّركشيّ‏:‏ أنّ المرأة لو دعتها ضرورة لشرب دواء مباح يترتّب عليه الإجهاض فينبغي أنّها لا تضمن بسببه‏.‏

7 - ومنهم من قال بالكراهة مطلقاً‏.‏ وهو ما قال به عليّ بن موسى من فقهاء الحنفيّة‏.‏ فقد نقل ابن عابدين عنه‏:‏ أنّه يكره الإلقاء قبل مضيّ زمن تنفخ فيه الرّوح؛ لأنّ الماء بعدما وقع في الرّحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، كما في بيضة صيد الحرم‏.‏ وهو رأي عند المالكيّة فيما قبل الأربعين يوماً، وقول محتمل عند الشّافعيّة‏.‏ يقول الرّمليّ‏:‏ لا يقال في الإجهاض قبل نفخ الرّوح إنّه خلاف الأولى، بل محتمل للتّنزيه والتّحريم، ويقوى التّحريم فيما قرب من زمن النّفخ لأنّه جريمة‏.‏

8 - ومنهم من قال بالتّحريم، وهو المعتمد عند المالكيّة‏.‏ يقول الدّردير‏:‏ لا يجوز إخراج المنيّ المتكوّن في الرّحم ولو قبل الأربعين يوماً، وعلّق الدّسوقيّ على ذلك بقوله‏:‏ هذا هو المعتمد‏.‏ وقيل يكره‏.‏ ممّا يفيد أنّ المقصود بعدم الجواز في عبارة الدّردير التّحريم‏.‏ كما نقل ابن رشد أنّ مالكاً قال‏:‏ كلّ ما طرحته المرأة جناية، من مضغة أو علقة، ممّا يعلم أنّه ولد، ففيه الغرّة وقال‏:‏ واستحسن مالك الكفّارة مع الغرّة‏.‏ والقول بالتّحريم هو الأوجه عند الشّافعيّة؛ لأنّ النّطفة بعد الاستقرار آيلة إلى التّخلّق مهيّأة لنفخ الرّوح‏.‏ وهو مذهب الحنابلة مطلقاً كما ذكره ابن الجوزيّ، وهو ظاهر كلام ابن عقيل، وما يشعر به كلام ابن قدامة وغيره بعد مرحلة النّطفة، إذ رتّبوا الكفّارة والغرّة على من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً، وعلى الحامل إذا شربت دواءً فألقت جنيناً‏.‏

بواعث الإجهاض ووسائله

9 - بواعث الإجهاض كثيرة، منها قصد التّخلّص من الحمل سواء أكان الحمل نتيجة نكاح أم سفاح، أو قصد سلامة الأمّ لدفع خطر عنها من بقاء الحمل أو خوفاً على رضيعها، على ما سبق بيانه‏.‏ كما أنّ وسائل الإجهاض كثيرة قديماً وحديثاً، وهي إمّا إيجابيّة وإمّا سلبيّة‏.‏ فمن الإيجابيّة‏:‏ التّخويف أو الإفزاع كأن يطلب السّلطان من ذكرت عنده بسوء فتجهض فزعاً، ومنها شمّ رائحة، أو تجويع، أو غضب، أو حزن شديد، نتيجة خبر مؤلم أو إساءة بالغة، ولا أثر لاختلاف كلّ هذا‏.‏ ومن السّلبيّة امتناع المرأة عن الطّعام، أو عن دواء موصوف لها لبقاء الحمل‏.‏ ومنه ما ذكره الدّسوقيّ من أنّ المرأة إذا شمّت رائحة طعام من الجيران مثلاً، وغلب على ظنّها أنّها إن لم تأكل منه أجهضت فعليها الطّلب‏.‏ فإن لم تطلب، ولم يعلموا بحملها، حتّى ألقته، فعليها الغرّة لتقصيرها ولتسبّبها‏.‏

عقوبة الإجهاض

10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة‏.‏ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره‏:‏ «أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة»‏.‏

11 - واتّفق فقهاء المذاهب على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك، ولو من الحامل نفسها أو زوجها، عمداً كان أو خطأً‏.‏

12 - ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة - وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى - مع الغرّة‏.‏ ‏(‏والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين‏)‏ فالحنفيّة والمالكيّة يرون أنّها مندوبة وليست واجبةً، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقض إلاّ بالغرّة‏.‏ كما أنّ الكفّارة فيها معنى العقوبة؛ لأنّها شرعت زاجرةً، وفيها معنى العبادة؛ لأنّها تتأدّى بالصّوم‏.‏ وقد عرف وجوبها في النّفوس المطلقة فلا يتعدّاها لأنّ العقوبة لا يجري فيها القياس، والجنين يعتبر نفساً من وجه دون وجه لا مطلقاً‏.‏ ولهذا لم يجب فيه كلّ البدل، فكذا لا تجب فيه الكفّارة لأنّ الأعضاء لا كفّارة فيها‏.‏ وإذا تقرّب بها إلى اللّه كان أفضل‏.‏ وعلى هذا فإنّها غير واجبة‏.‏ ويرى الشّافعيّة والحنابلة وجوب الكفّارة مع الغرّة‏.‏ لأنّها إنّما تجب حقّاً للّه تعالى لا لحقّ الآدميّ؛ ولأنّه نفس مضمونة بالدّية، فوجبت فيه الكفّارة‏.‏ وترك ذكر الكفّارة لا يمنع وجوبها‏.‏ فقد ذكر الرّسول صلى الله عليه وسلم في موضع آخر الدّية، ولم يذكر الكفّارة‏.‏ وهذا الخلاف إنّما هو في الجنين المحكوم بإيمانه لإيمان أبويه أو أحدهما، أو المحكوم له بالذّمّة‏.‏ كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا اشترك أكثر من واحد في جناية الإجهاض لزم كلّ شريك كفّارة، وهذا لأنّ الغاية من الكفّارة الزّجر‏.‏ أمّا الغرّة فواحدة لأنّها للبدليّة‏.‏

الإجهاض المعاقب عليه

13 - يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً، أو انفصال البعض الدّالّ على موته‏.‏ إذ لا يثبت حكم المولود إلاّ بخروجه؛ ولأنّ الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، وبالإلقاء ظهر تلفه بسبب الضّرب أو الفزع ونحوهما، غير أنّ الشّافعيّة قالوا‏:‏ لو علم موت الجنين وإن لم ينفصل منه شيء فكالمنفصل‏.‏ والحنفيّة يعتبرون انفصال الأكثر كانفصال الكلّ، فإن نزل من قبل الرّأس فالأكثر خروج صدره، وإن كان من قبل الرّجلين فالأكثر انفصال سرّته‏.‏ والحنفيّة والمالكيّة على أنّه لا بدّ أن يكون ذلك قبل موت أمّه يقول ابن عابدين‏:‏ وإن خرج جنين ميّت بعد موت الأمّ فلا شيء فيه؛ لأنّ موت الأمّ سبب لموته ظاهراً، إذ حياته بحياتها، فيتحقّق موته بموتها، فلا يكون في معنى ما ورد به النّصّ، إذ الاحتمال فيه أقلّ، فلا يضمن بالشّكّ؛ ولأنّه يجري مجرى أعضائها، وبموتها سقط حكم أعضائها‏.‏ وقال الحطّاب والموّاق‏:‏ الغرّة واجبة في الجنين بموته قبل موت أمّه‏.‏ وقال ابن رشد‏:‏ ويشترط أن يخرج الجنين ميّتاً ولا تموت أمّه من الضّرب‏.‏ أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيوجبون الغرّة سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث في حياة الأمّ أو بعد موتها لأنّه كما يقول ابن قدامة‏:‏ جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها‏.‏ ولأنّه لو سقط حيّاً ضمنه، فكذلك إذا سقط ميّتاً كما لو أسقطته في حياتها‏.‏ ويقول القاضي زكريّا الأنصاريّ‏:‏ ضرب الأمّ، فماتت، ثمّ ألقت ميّتاً، وجبت الغرّة، كما لو انفصل في حياتها‏.‏ يتّفق الفقهاء في أصل ترتّب العقوبة إذا استبان بعض خلق الجنين، كظفر وشعر، فإنّه يكون في حكم تامّ الخلق اتّفاقاً ولا يكون ذلك كما يقول ابن عابدين إلاّ بعد مائة وعشرين يوماً، وتوسّع المالكيّة فأوجبوا الغرّة حتّى لو لم يستبن شيء من خلقه، ولو ألقته علقةً أي دماً مجتمعاً، ونقل ابن رشد عن الإمام مالك قوله‏:‏ كلّ ما طرحت من مضغة أو علقة ممّا يعلم أنّه ولد ففيه غرّة والأجود أن يعتبر نفخ الرّوح فيه‏.‏ والشّافعيّة يوجبون الغرّة أيضاً لو ألقته لحماً في صورة آدميّ، وعند الحنابلة إذا ألقت مضغةً، فشهد ثقات من القوابل أنّه مبتدأ خلق آدميّ، وجهان‏:‏ أصحّهما لا شيء فيه، وهو مذهب الشّافعيّ فيما ليس فيه صورة آدميّ‏.‏ أمّا عند الحنفيّة ففيه حكومة عدل، إذ ينقل ابن عابدين عن الشّمنّيّ‏:‏ أنّ المضغة غير المتبيّنة الّتي يشهد الثّقات من القوابل أنّها بدء خلق آدميّ فيها حكومة عدل‏.‏

تعدّد الأجنّة في الإجهاض

14 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب في أنّ الواجب الماليّ من غرّة أو دية يتعدّد بتعدّد الأجنّة‏.‏ فإن ألقت المرأة بسبب الجناية جنينين أو أكثر تعدّد الواجب بتعدّدهم؛ لأنّه ضمان آدميّ، فتعدّد بتعدّده، كالدّيات‏.‏ والقائلون بوجوب الكفّارة مع الغرّة - وهم الشّافعيّة والحنابلة كما تقدّم - يرون أنّها تتعدّد بتعدّد الجنين أيضاً‏.‏

من تلزمه الغرّة

15 - الغرّة تلزم العاقلة في سنة بالنّسبة للجنين الحرّ عند فقهاء الحنفيّة، للخبر الّذي روي عن محمّد بن الحسن «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضى بالغرّة على العاقلة في سنة»، ولا يرث الجاني وهذا هو الأصحّ عند الشّافعيّة، فقد قالوا‏:‏ الغرّة على عاقلة الجاني ولو الحامل نفسها؛ لأنّ الجناية على الجنين لا عمد فيها حتّى يقصد بالجناية، بل يجري فيها الخطأ وشبه العمد‏.‏ سواء أكانت الجناية على أمّه خطأً أم عمداً أم شبه عمد‏.‏ وللحنفيّة تفصيل‏:‏ فلو ضرب الرّجل بطن امرأته، فألقت جنيناً ميّتاً، فعلى عاقلة الأب الغرّة، ولا يرث فيها، والمرأة إن أجهضت نفسها متعمّدةً دون إذن الزّوج، فإنّ عاقلتها تضمن الغرّة ولا ترث فيها، وأمّا إن أذن الزّوج، أو لم تتعمّد، فقيل‏.‏ لا غرّة؛ لعدم التّعدّي، لأنّه هو الوارث والغرّة حقّه، وقد أذن بإتلاف حقّه‏.‏ والصّحيح أنّ الغرّة واجبة على عاقلتها أيضاً؛ لأنّه بالنّظر إلى أنّ الغرّة حقّه لم يجب بضربه شيء، ولكن لأنّ الآدميّ لا يملك أحد إهدار آدميّته وجبت على العاقلة، فإن لم يكن لها عاقلة فقيل في مالها، وفي ظاهر الرّواية‏:‏ في بيت المال، وقالوا‏:‏ إنّ الزّوجة لو أمرت غيرها أن تجهضها، ففعلت، لا تضمن المأمورة، إذا كان ذلك بإذن الزّوج‏.‏ ويرى المالكيّة وجوب الغرّة في مال الجاني في العمد مطلقاً، وكذا في الخطأ، إلاّ أن يبلغ ثلث ديته فأكثر فعلى عاقلته، كما لو ضرب مجوسيّ حرّةً حبلى، فألقت جنيناً، فإنّ الغرّة الواجبة هنا أكثر من ثلث دية الجاني‏.‏ ويوافقهم الشّافعيّة في قول غير صحيح عندهم فيما إذا كانت الجناية عمداً، إذ قالوا‏:‏ وقيل‏:‏ إن تعمّد الجناية فعليه الغرّة لا على عاقلته، بناءً على تصوّر العمد فيه والأصحّ عدم تصوّره لتوقّفه على علم وجوده وحياته‏.‏ أمّا الحنابلة فقد جعلوا الغرّة على العاقلة إذا مات الجنين مع أمّه وكانت الجناية عليها خطأً أو شبه عمد‏.‏ أمّا إذا كان القتل عمداً، أو مات الجنين وحده، فتكون في مال الجاني، وما تحمله العاقلة يجب مؤجّلاً في ثلاث سنين، وقيل‏:‏ من لزمته الكفّارة ففي ماله مطلقاً على الصّحيح من المذهب، وقيل ما حمله بيت المال من خطأ الإمام والحاكم ففي بيت المال‏.‏ والتّفصيل في مصطلحات ‏(‏عاقلة‏.‏ غرّة‏.‏ جنين‏.‏ دية‏.‏ كفّارة‏)‏‏.‏

الآثار التّبعيّة للإجهاض

16 - بالإجهاض ينفصل الجنين عن أمّه ميّتاً، ويسمّى سقطاً‏.‏ والسّقط هو الولد تضعه المرأة ميّتاً أو لغير تمام أشهره ولم يستهلّ‏.‏ وقد تكلّم الفقهاء عن حكم تسميته وتغسيله وتكفينه والصّلاة عليه ودفنه‏.‏ وموضع بيان ذلك وتفصيله مصطلح سقط‏.‏ أثر الإجهاض في الطّهارة والعدّة والطّلاق‏:‏

17 - لا خلاف في أنّ الإجهاض بعد تمام الخلق تترتّب عليه الأحكام الّتي تترتّب على الولادة‏.‏ من حيث الطّهارة، وانقضاء العدّة، ووقوع الطّلاق المعلّق على الولادة، لتيقّن براءة الرّحم بذلك، ولا خلاف في أنّ الإجهاض لا أثر له فيما يتوقّف فيه استحقاق الجنين على تحقّق الحياة وانفصاله عن أمّه حيّاً كالإرث والوصيّة والوقف‏.‏ أمّا الإجهاض في مراحل الحمل الأولى قبل نفخ الرّوح ففيه الاتّجاهات الفقهيّة الآتية‏:‏ فبالنّسبة لاعتبار أمّه نفساء، وما يتطلّبه ذلك من تطهّر، يرى المالكيّة في المعتمد عندهم، والشّافعيّة، اعتبارها نفساء، ولو بإلقاء مضغة هي أصل آدميّ، أو بإلقاء علقة‏.‏ ويرى الحنفيّة والحنابلة أنّه إذا لم يظهر شيء من خلقه فإنّ المرأة لا تصير به نفساء‏.‏ ويرى أبو يوسف ومحمّد في رواية عنه أنّه لا غسل عليها، لكن يجب عليها الوضوء، وهو الصّحيح‏.‏ وبالنّسبة لانقضاء العدّة ووقوع الطّلاق المعلّق على الولادة فإنّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة يرون أنّ العلقة والمضغة الّتي ليس فيها أيّ صورة آدميّ لا تنقضي بها العدّة، ولا يقع الطّلاق المعلّق على الولادة؛ لأنّه لم يثبت أنّه ولد بالمشاهدة ولا بالبيّنة‏.‏ أمّا المضغة المخلّقة والّتي بها صورة آدميّ ولو خفيّةً، وشهدت الثّقات القوابل بأنّها لو بقيت لتصوّرت، فإنّها تنقضي بها العدّة ويقع الطّلاق؛ لأنّه علم به براءة الرّحم عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏ لكن الشّافعيّة لا يوقعون الطّلاق المعلّق على الولادة؛ لأنّه لا يسمّى ولادةً، أمّا المالكيّة فإنّهم ينصّون على أنّ العدّة تنقضي بانفصال الحمل كلّه ولو علقةً‏.‏

إجهاض جنين البهيمة

18 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، وهو الصّحيح عند الحنابلة، إلى أنّه يجب في جنين البهيمة إذا ألقته بجناية ميّتاً ما نقصت الأمّ، أي حكومة عدل، وهو أرش ما نقص من قيمتها‏.‏ وإذا نزل حيّاً ثمّ مات من أثر الجناية فقيمته مع الحكومة، وفي المسائل الملقوطة الّتي انفرد بها مالك أنّ عليه عشر قيمة أمّه، وهو ما قال به أبو بكر من الحنابلة‏.‏ ولم نقف للشّافعيّة على كلام في هذا أكثر من قولهم‏:‏ لو صالت البهيمة وهي حامل على إنسان، فدفعها، فسقط جنينها، فلا ضمان‏.‏ وهذا يفيد أنّ الدّفع لو كان عدواناً لزمه الضّمان‏.‏

أجير

التّعريف

1 - الأجير هو المستأجر، والجمع أجراء‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى، وهو على قسمين‏:‏ أجير خاصّ‏:‏ وهو الّذي يقع العقد عليه في مدّة معلومة يستحقّ المستأجر منفعته المعقود عليها في تلك المدّة، ويسمّى بالأجير الوحد؛ لأنّه لا يعمل لغير مستأجره، كمن استؤجر شهراً للخدمة‏.‏ وأجير مشترك‏:‏ وهو من يعمل لعامّة النّاس كالنّجّار والطّبيب‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - استئجار الآدميّ جائز شرعاً لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج‏}‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه»‏.‏ ومتى كان الأجير جائز التّصرّف، مستوفياً لشروط العقد من سلامة الأسباب والآلات، قادراً على تسليم المنفعة المطلوبة منه حسّاً وشرعاً، ولم يكن فيما يستأجر عليه معصية، فإنّه يجب عليه الوفاء بما تمّ العقد عليه‏.‏ فإن كان أجيراً خاصّاً وجب عليه تسليم نفسه لمستأجره، وتمكينه من استيفاء منفعته المعقود عليها في هذه المدّة، وامتناعه من العمل لغير مستأجره فيها، إلاّ أداء الصّلاة المفروضة باتّفاق، والسّنن على خلاف، وإذا سلّم نفسه في المدّة فإنّه يستحقّ الأجرة المسمّاة، وإن لم يعمل شيئاً، وإن كان أجيراً مشتركاً وجب عليه الوفاء بالعمل المطلوب منه والتّسليم للمستأجر، ويستحقّ الأجرة بالوفاء بذلك‏.‏ وما مرّ محلّ اتّفاق بين الفقهاء‏.‏

مواطن البحث

3 - هذا، وللأجير أحكام كثيرة باعتباره أحد طرفي عقد الإجارة، وباعتبار المنفعة المطلوبة منه، وبيان مدّتها، أو نوعها ومحلّها، والأجرة وتعجيلها، أو تأجيلها، ومن ناحية خياره وعدمه، ومتى تنفسخ معه الإجارة ومتى لا تنفسخ، وغير ذلك‏.‏ وينظر في مصطلح ‏(‏إجارة‏)‏‏.‏

إحالة

انظر‏:‏ حوالة‏.‏

أحباس

انظر‏:‏ وقف‏.‏

إحبال

انظر‏:‏ حمل

احتباء

التّعريف

1 - الاحتباء في اللّغة القعود على مقعدته وضمّ فخذيه إلى بطنه واشتمالهما مع ظهره بثوب أو نحوه، أو باليدين‏.‏ وهو عند الفقهاء كذلك‏.‏ الفرق بين الاحتباء والإقعاء‏:‏

2 - الإقعاء وضع الأليتين واليدين على الأرض مع نصب الرّكبتين وعلى هذا يكون الفرق بينهما أنّه يرافق الاحتباء ضمّ الفخذين إلى البطن، والرّكبتين إلى الصّدر، والتزامهما باليدين أو بثوب بينما لا يكون في الإقعاء ذلك الالتزام‏.‏ الحكم العامّ ومواطن البحث

3 - الاحتباء خارج الصّلاة مباح إن لم يرافقه محظور شرعيّ آخر ككشف العورة مثلاً‏.‏ والأولى تركه وقت الخطبة وعند انتظار الصّلاة؛ لأنّه يكون متهيّئاً للنّوم والوقوع وانتقاض الوضوء‏.‏ هو مكروه في الصّلاة لما ورد من النّهي عنه، وما فيه من مخالفة الوضع المسنون في الصّلاة‏.‏

4 - وقد فصّل الفقهاء حكم الاحتباء في كتاب الصّلاة، عند كلامهم على مكروهات الصّلاة‏.‏

احتباس

التّعريف

1 - الحبس والاحتباس، ضدّ التّخلية، أو هو المنع من حرّيّة السّعي، ولكن الاحتباس - كما يقول أهل اللّغة - يختصّ بما يحبسه الإنسان لنفسه، قال في لسان العرب‏:‏ احتبست الشّيء إذا اختصصته لنفسك خاصّةً‏.‏ وكما أنّه يأتي متعدّياً فإنّه يأتي لازماً، مثل ما في الحديث‏:‏ «احتبس جبريل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم» وقولهم‏:‏ احتبس المطر أو اللّسان‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الحبس‏:‏

2 - الفرق بين الحبس والاحتباس، أنّ الحبس لا يأتي إلاّ متعدّياً، وليس كذلك الاحتباس فإنّه يأتي متعدّياً ولازماً‏.‏

ب - الحجر‏:‏

3 - والفرق بين الاحتباس والحجر، أنّ الحجر منع شخص من التّصرّف في ماله رعايةً لمصلحته‏.‏ وبذلك يكون الفرق بينهما أنّ الاحتباس هو منع لصالح المحتبس ‏(‏بكسر الباء‏)‏، والحجر منع لصالح المحجور عليه‏.‏

ج - الحصر‏:‏

4 - والفرق بين الاحتباس والحصر، أنّ الحصر هو الحبس مع التّضييق، والتّضييق لا يرد إلاّ على ذي روح، والاحتباس يرد على ذي الرّوح وغيره، كما لا يلزم أن يكون في الاحتباس تضييق‏.‏

د - الاعتقال‏:‏

5 - والفرق بين الاحتباس والاعتقال‏:‏ أنّ الاعتقال هو الحبس عن حاجته، أو هو الحبس عن أداء ما هو من وظيفته، ومن هنا يقولون‏:‏ اعتقل لسانه إذا حبس ومنع عن الكلام‏.‏ وليس كذلك الاحتباس، إذ لا يقصد منه المنع من أداء الوظيفة‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

6 - يجوز الاحتباس في حالتين‏:‏

الحالة الأولى‏:‏ عندما يكون حقّ المحتبس في المحبوس هو الغالب، كحبس المرهون بالدّين - كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الرّهن، وحبس الأجير المشترك العين الّتي له فيها أثر حتّى يتسلّم الأجرة، واحتباس البائع ما في يده من البيع حتّى يسلّم المشتري ما في يده من الثّمن إلاّ بشرط مخالف‏.‏

الحالة الثّانية‏:‏ عندما تتطلّب المصلحة هذا الاحتباس، كاحتباس المال عن مالكه السّفيه، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الحجر، واحتباس ما غنمه أهل العدل من أموال البغاة حتّى يتوبوا، كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب البغاة، واحتباس الأرض المفتوحة عنوةً للمسلمين، وعدم توزيعها بين المحاربين، ونحو ذلك‏.‏

7 - ويمتنع الاحتباس في أحوال‏:‏

الحال الأولى‏:‏ عندما يكون حقّ الغير هو الغالب، كحقّ المرتهن في العين المرهونة ففي هذه الحال يمتنع على المالك ‏(‏الرّاهن‏)‏ حقّه الأصليّ في الاحتباس‏.‏

الحال الثّانية‏:‏ حالة الضّرورة، كاحتباس الضّروريّات لإغلاء السّعر على النّاس، وتفصيل الكلام على ذلك موطنه مصطلح «احتكار»‏.‏ الحال الثّالثة‏:‏ حال الحاجة، ولذلك كره حبس الأشياء المعتاد إعارتها عن الغير إن احتاج إليه ذلك الغير‏.‏

من آثار الاحتباس

8 - من احتبس إنساناً أو حيواناً وجبت عليه مؤنته، ولذلك وجبت النّفقة للزّوجة، والقاضي، والمغصوب، والحيوان المحتبس، ووجبت الأجرة للأجير الخاصّ بمجرّد الاحتباس، ونحو ذلك‏.‏ وتكره الصّلاة مع احتباس الرّيح أو الغائط - مدافعة الأخبثين - وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الصّلاة عند كلامهم على مكروهات الصّلاة، وتسنّ صلاة الاستسقاء عند احتباس المطر، وتفصيل ذلك في كتاب الصّلاة، فصل صلاة الاستسقاء من كتب الفقه‏.‏ ويعامل محتبس الكلام - أي من اعتقل لسانه - معاملة الأخرس إذا طال احتباس الكلام عنه كما سنفصّل ذلك في كلمة «أخرس»‏.‏

احتجام

التّعريف

1 - ‏(‏الاحتجام طلب الحجامة‏)‏‏.‏ والحجم في لغة‏:‏ المصّ، يقال‏:‏ حجم الصّبيّ ثدي أمّه، أي، مصّه، ومن هنا سمّي الحجام بذلك، لأنّه يمصّ الجرح، وفعل المصّ واحترافه يسمّى الحجامة، ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن هذا المعنى‏.‏ والفرق بين الحجامة والفصد‏:‏ أنّ الفصد هو شقّ العرق لإخراج الدّم منه فهو غير الاحتجام‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - الاحتجام مباح للتّطبيب، ويكره في الوقت الّذي يحتاج فيه المسلم للقوّة والنّشاط لأداء عبادة ونحوها، لما يورثه من ضعف في البدن، وكذلك للصّائم‏.‏ كما نصّ الفقهاء على ذلك في كتاب الصّوم، عند كلامهم على مكروهات الصّيام‏.‏ وذهب الحنابلة إلى فساد الصّيام بالحجامة، وقد ذكروا ذلك في كتاب الصّوم عند كلامهم على ما يفسد الصّوم ولا يوجب الكفّارة‏.‏

3 - والحجامة حرفة دنيئة لمخالطة محترفها النّجاسة، ويترتّب عليها من الآثار ما يترتّب على الحرف الدّنيئة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح احتراف ‏"‏ ويذكره الفقهاء في الكفاءة من باب النّكاح، وفي باب الإجارة‏.‏

4 - الحجامة تطبيب، فيترتّب عليها ما يترتّب على التّطبيب من آثار‏:‏ كجواز نظر الحاجم إلى عورة المحجوم عند الضّرورة‏.‏ وذكر الحنفيّة ذلك في كتاب الحظر والإباحة في باب النّظر، ويذكره غيرهم غالباً في كتاب النّكاح استطراداً أو في كتاب الصّلاة عند كلامهم على ستر العورة، وكضمان ما تلف بفعل الحجّام، ذكر ذلك جمهور الفقهاء في كتاب الجنايات‏.‏ وذكره المالكيّة في الإجارة، وذكره ابن قدامة من الحنابلة في التّعزير‏.‏

5 - ودم الحجامة نجس كغيره، ولكن يجزئ المسح في تطهير مكان الجرح منه للضّرورة، ويجب أن ينزّه المسجد عن الحجامة فيه‏.‏

احتراف

التّعريف

1 - الاحتراف في اللّغة‏:‏ الاكتساب، أو طلب حرفة للكسب‏.‏ والحرفة كلّ ما اشتغل به الإنسان واشتهر به، فيقولون حرفة فلان كذا، يريدون دأبه وديدنه‏.‏ وهي بهذا ترادف كلمتي صنعة، وعمل‏.‏ أمّا الامتهان فإنّه لا فرق بينه وبين احتراف؛ لأنّ معنى المهنة يرادف معنى الحرفة، وكلّ منهما يراد به حذق العمل‏.‏ ويوافق الفقهاء اللّغويّين في هذا، فيطلقون الاحتراف على مزاولة الحرفة وعلى الاكتساب نفسه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّناعة‏:‏

2 - الاحتراف يفترق عن ‏"‏ الصّناعة ‏"‏ لأنّها عند أهل اللّغة ترتيب العمل على ما تقدّم علم به، وبما يوصّل إلى المراد منه، ولذا قيل للنّجّار صانع ولا يقال للتّاجر صانع‏.‏ فلا يشترطون في الصّناعة أن يجعلها الشّخص دأبه وديدنه، ويخصّ الفقهاء، كلمة ‏"‏ صناعة ‏"‏ بالحرف الّتي تستعمل فيها الآلة، فقالوا‏:‏ الصّناعة ما كان بآلة‏.‏

ب - العمل‏.‏

3 - يفترق الاحتراف عن العمل، بأنّ العمل يطلق على الفعل سواء حذقه الإنسان أو لم يحذقه، اتّخذه ديدناً له أو لم يتّخذه، ولذلك قالوا‏:‏ العمل المهنة والفعل‏.‏ وغالب استعمال الفقهاء إطلاق العمل على ما هو أعمّ من الاحتراف والصّنعة، كما أنّ الاحتراف أعمّ من الصّنعة‏.‏

ج - الاكتساب أو الكسب‏:‏

4 - يفترق معنى الاحتراف عن معنى الاكتساب أو الكسب، بأنّ كلّاً منهما أعمّ من الاحتراف، لأنّهما عند أهل اللّغة ما يتحرّاه الإنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ، فلا يشترط فيه أن يجعله الشّخص دأبه وديدنه كما هو الحال في الاحتراف، ويطلق الفقهاء الاكتساب أو الكسب على تحصيل المال بما حلّ أو حرم من الأسباب سواء أكان باحتراف أو بغير احتراف، كما يطلقون الكسب على الحاصل بالاكتساب‏.‏ الحكم التّكليفيّ إجمالاً‏:‏

5 - الاحتراف فرض كفاية على العموم لاحتياج النّاس إليه وعدم استغنائهم عنه‏.‏ وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء اللّه‏.‏

تصنيف الحرف

6 - تصنّف الحرف إلى صنفين‏:‏ الصّنف الأوّل‏:‏ حرف شريفة، والصّنف الثّاني حرف دنيئة‏.‏ والأصل في هذا التّصنيف ما رواه عمر بن الخطّاب، قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنّي وهبت لخالتي غلاماً، وأنا أرجو أن يبارك لها فيه‏.‏ فقلت لها‏:‏ لا تسلّميه حجّاماً، ولا صائغاً، ولا قصّاباً»‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ الصّائغ ربّما كان من صنعه شيء للرّجال وهو حرام، أو كان من آنية وهي حرام، أمّا القصّاب فلأجل النّجاسة الغالبة على ثوبه وبدنه مع تعذّر الاحتراز‏.‏ وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «العرب أكفاء بعضهم لبعض إلاّ حائكاً أو حجّاماً»‏.‏ قيل للإمام أحمد‏:‏ وكيف تأخذ بهذا الحديث وأنت تضعّفه‏؟‏ قال‏:‏ العمل عليه‏.‏

تفاوت الحرف الشّريفة فيما بينها

7 - فاضل الفقهاء بين الحرف الشّريفة لاعتبارات ذكروها، فاتّفقوا على أنّ أشرف الحرف العلم وما آل إليه، كالقضاء والحكم ونحو ذلك، ولذلك نصّ الحنفيّة على أنّ المدرّس كفء لبنت الأمير‏.‏ وذكر ابن مفلح إجماع العلماء على أنّ أشرف الكسب الغنائم إذا سلم من الغلول‏.‏ ثمّ اختلفوا فيما يتلوه في الفضل‏.‏ هذا وإنّ للفقهاء في كتبهم كلاماً في المفاضلة بين الحرف الشّريفة، من علم أو تجارة أو صناعة أو زراعة‏.‏‏.‏ إلخ ولهم في اتّجاهاتهم المختلفة فيما هو أشرف استدلال بأحاديث ووجوه من المعقول ظنّيّة الورود أو الدّلالة، ولعلّ في آرائهم تلك مراعاةً لبعض الأعراف والملابسات الّتي كانت سائدةً في زمانهم، ونجتزئ بهذه الإشارة عن إيراد الاتّجاهات المختلفة في هذه المسألة‏.‏

الحرف الدّنيئة

8 - لقد حرص الفقهاء على تحديد الحرف الدّنيئة ليبقى ما وراءها من الحرف شريفاً‏.‏ فقالوا‏:‏ الحرف الدّنيئة هي كلّ حرفة دلّت ملابستها على انحطاط المروءة وسقوط النّفس‏.‏ وقد اتّفق الفقهاء على اعتبارهم الحرف المحرّمة، كاحتراف الزّنا وبيع الخمر ونحو ذلك، حرفاً دنيئةً كما سيأتي، وقد سلك الفقهاء في تحديد الحرف الدّنيئة - فيما عدا المحرّمة منها - مسلكين‏:‏ الأوّل‏:‏ تحديدها بالضّابط، ومنه ما نصّ عليه الشّافعيّة من أنّ كلّ حرفة فيها مباشرة نجاسة هي حرفة دنيئة‏.‏ الثّاني‏:‏ تحديدها بالعرف، وهو مسلك جمهور الفقهاء، ومنهم الشّافعيّة أيضاً، واجتهدوا استناداً إلى الأعراف السّائدة في عصورهم في تحديد الحرف الدّنيئة‏.‏ هذا، وإنّ ما جاء في بعض الكتب الفقهيّة من وصف بعض أنواع من الحرف بالدّناءة - تبعاً لأوضاع زمنيّة - فإنّ القائلين بذلك صرّحوا بأنّه تزول كراهة الاحتراف بحرفة دنيئة إذا كان احترافها للقيام بفرض الكفاية، إذ ينبغي أن يكون في كلّ بلد جميع الصّنائع المحتاج إليها‏.‏

التّحوّل من حرفة إلى حرفة

9 - قال ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة‏:‏ قال القاضي أبو يعلى‏:‏ يستحبّ إذا وجد الخير في نوع من التّجارة أن يلزمه، وإن قصد إلى جهة من التّجارة فلم يقسم له فيها رزقه، عدل إلى غيره، لما روى ابن أبي الدّنيا عن موسى بن عقبة مرفوعاً‏:‏ «إذا رزق أحدكم في الوجه من التّجارة فليلزمه‏.‏» وروى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطّاب قال‏:‏ من اتّجر في شيء ثلاث مرّات، فلم يصب فيه فليتحوّل إلى غيره‏.‏ وقال عبد اللّه بن عمر‏:‏ من اتّجر في شيء ثلاث مرّات فلم يصب فيه، فليتحوّل إلى غيره‏.‏ ولكن هل لهذا التّحوّل أثر في الكفاءة بين الزّوجين في الحرفة‏؟‏ ‏(‏ر‏:‏ كفاءة‏.‏ نكاح‏)‏

الحكم التّكليفيّ للاحتراف تفصيلاً

10 - أ - يندب للمرء أن يختار حرفةً لكسب رزقه، قال عمر بن الخطّاب‏:‏ إنّي لأرى الرّجل فيعجبني، فأقول‏:‏ له حرفة‏؟‏ فإن قالوا‏:‏ لا، سقط من عيني‏.‏

ب - ويجب - على الكفاية - أن يتوفّر في بلاد المسلمين أصول الحرف جميعها، احتيج إليها أو لا‏.‏ قال ابن تيميّة‏:‏ قال غير واحد من أصحاب الشّافعيّ وأحمد وغيرهم كالغزاليّ، وابن الجوزيّ، وغيرهم‏:‏ إنّ هذه الصّناعات فرض على الكفاية، فإنّه لا تتمّ مصلحة النّاس إلاّ بها‏.‏ وقد اختار ابن تيميّة أنّ احتراف بعض الحرف يصبح فرض كفاية إذا احتاج المسلمون إليها، فإن استغنوا عنها بما يجلبونه أو يجلب إليهم فقد سقط وجوب احترافها‏.‏ فإذا امتنع المحترفون عن القيام بهذا الفرض أجبرهم الإمام عليه بعوض المثل‏.‏ قال ابن تيميّة‏:‏ إنّ هذه الأعمال الّتي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها إلاّ إنسان بعينه صارت فرض عين عليه، إن كان غيره عاجزاً عنها، فإذا كان النّاس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجباً يجبرهم وليّ الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكّنهم من مطالبة النّاس بزيادة عن عوض المثل‏.‏

11 - ج - ولمّا كان إقامة الصّناعات فرض كفاية كان توفير المحترفين الّذين يعملون في هذه الصّناعات فرضاً، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة، قال القليوبيّ في حاشيته ما مفاده‏:‏ يجب أن يسلّم الوليّ الصّغير لذي حرفة يتعلّم منه الحرفة‏.‏ ورغم أنّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة لم ينصّوا على وجوب دفع الوليّ الصّغير إلى من يعلّمه الحرفة إلاّ أنّ كلامهم يقتضي ذلك‏.‏

حكم الحرف الدّنيئة

12 - د - وجمهور الفقهاء على أنّ المكاسب غير المحرّمة كلّها في الإباحة سواء‏.‏ ولكن هذه الإباحة تكتنفها الكراهة إذا اختار المرء لنفسه أو ولده حرفةً دنيئةً إن وسعه احتراف ما هو أصلح منها‏.‏ ومع هذا فقد قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه‏:‏ مكسبة فيها بعض الدّناءة خير من مسألة النّاس‏.‏ وقال ابن عقيل‏:‏ يكره تعلّم الصّنائع الرّديئة مع إمكان ما هو أصلح منها‏.‏ ونصّ الشّافعيّة على زوال هذه الكراهة إذا كانت الحرفة الدّنيئة هي حرفة أبيه‏.‏ ونصّ ابن مفلح الحنبليّ على زوال هذه الكراهة إذا احترف المرء حرفةً دنيئةً للقيام بفرض الكفاية‏.‏ وقال بعض المتشدّدين من الحنفيّة‏:‏ ما يرجع إلى الدّناءة من المكاسب في عرف النّاس لا يسع الإقدام عليه إلاّ عند الضّرورة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس لمؤمن أن يذلّ نفسه»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه يحبّ معالي الأمور ويبغض سفسافها»، ولكنّ الصّحيح عند الحنفيّة الأوّل‏.‏

الحرف المحظورة

13 - أ - الأصل أنّه لا يجوز احتراف عمل محرّم بذاته، ومن هنا منع الاتّجار بالخمر واحتراف الكهانة‏.‏

ب - كما لا يجوز احتراف ما يؤدّي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه، كالوشم‏:‏ لما فيه من تغيير خلق اللّه وككتابة الرّبا‏:‏ لما فيه من الإعانة على أكل أموال النّاس بالباطل ونحو ذلك‏.‏ وتعرّض الفقهاء إلى اتّخاذ حرف يتكسّب منها المحترف من غير أن يبذل فيها جهداً، أو يزيد زيادةً، كالخيّاط يتسلّم الثّوب ليخيطه بدينارين فيعطيه لمن يخيطه بدينار ويأخذ الفرق‏.‏ فذهب الفقهاء إلى جواز ذلك؛ لأنّ مثل هذه الإجارة كالبيع، وبيع المبيع يجوز برأس المال وبأقلّ منه وبأكثر، فكذلك الإجارة إلاّ أنّ الحنفيّة نصّوا على أنّه إذا كانت الأجرة الثّانية من جنس الأجرة الأولى فإنّ الزّيادة لا تطيب له إلاّ إذا بذل جهداً أو زاد زيادةً، فإنّها تطيب ولو اتّحد الجنس‏.‏

آثار الاحتراف

14 - أ - يعطى الفقير المحترف الّذي لا يملك آلات حرفته من الزّكاة ما يشتري به آلة حرفته‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

ب - إذا فعل المحترف فعلاً في حدود حرفته، فأخطأ فيه خطأً يحتمل أن يخطئ فيه المحترفون، فلا ضمان عليه، كالطّبيب‏.‏ أمّا من عداه فيضمن‏.‏ وتفصيل ذلك في باب الضّمان‏.‏

ج - يرى بعض الفقهاء جواز إفطار رمضان لمن يحترف حرفةً شاقّةً يتعذّر عليه الصّيام معها، وليس بإمكانه تركها في رمضان‏.‏

د - للمعتدّة - ولا سيّما المحترفة - الخروج في حوائجها نهاراً سواء أكانت مطلّقةً أو متوفًّى عنها وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلاّ لضرورة‏.‏ وتفصيله في ‏(‏عدّة‏)‏ ‏(‏وإحداد‏)‏‏.‏

هـ - للاحتراف أثر في الكفاءة بين الزّوجين وتفصيله في ‏(‏نكاح‏)‏، وللاحتراف أثر في تخفيف بعض الأحكام الشّرعيّة، كالتّرخيص للقصّاب بالصّلاة في ثياب مهنته مع ما عليها من الدّم، ما لم يفحش‏.‏ وتفصيله في ‏(‏نجاسة - ما يعفى عنه من النّجاسات‏)‏‏.‏

احتساب

التّعريف

1 - تأتي كلمة ‏"‏ احتساب ‏"‏ في اللّغة بمعان عديدة منها‏:‏

أ - الاعتداد بالشّيء، من الحسب، وهو العدّ‏.‏

ب - طلب الثّواب، وقد استعمل الفقهاء هذا اللّفظ بهذين المعنيين كليهما، على أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى معنى طلب الثّواب‏.‏ الاحتساب بمعنى الاعتداد أو الاعتبار‏:‏

2 - يطلق الفقهاء كلمة ‏"‏ احتساب ‏"‏ عندما يأتي المكلّف بالفعل على غير وجه الكمال، ومع ذلك فإنّ الشّارع يعتبره صحيحاً مقبولاً‏.‏ فالمسبوق في الصّلاة إذا أدرك الرّكوع مع الإمام احتسبت له ركعة، وإن لم يأت بالفرائض الّتي قبله، ومن دخل المسجد، فرأى الجماعة قائمةً لصلاة الظّهر فنوى تحيّة المسجد وصلاة الظّهر ودخل معهم في صلاتهم، احتسبت له تلك الصّلاة تحيّة مسجد وصلاة ظهر‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏"‏ الصّلاة»‏.‏ الاحتساب بمعنى طلب الثّواب من اللّه تعالى‏:‏

3 - طلب الثّواب من اللّه تعالى بالاحتساب يتحقّق في أمور كثيرة منها‏:‏ أ - تنازل المسلم عن حقّه المترتّب على الغير طلباً لثواب اللّه تعالى، لا عجزاً، كعتق الرّقيق، احتساباً، ووضع السّيّد بعض مال الكتابة احتساباً والعفو عن القصاص دون مقابل احتساباً، وإرضاع الصّغير دون مقابل احتساباً‏.‏

ب - أداء حقّ من حقوق اللّه تعالى المحضة كالصّلاة، والصّوم، وأداء الشّهادة دون طلب في حقّ من حقوق اللّه المحضة، وفيما للّه تعالى فيه حقّ غالب مؤكّد، وهو ما لا يتأثّر برضا الآدميّ - كطلاق، وعتق، وعفو عن قصاص، وبقاء عدّة، وانقضائها، وحدّ، ونسب‏.‏ وقد فصّل الفقهاء القول في ذلك في كتاب الشّهادات عند كلامهم على ما يؤدّى حسبةً من الشّهادات، وما يتّصل بأحكام المحتسب ينظر في مصطلح «حسبة»‏.‏